السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1
نُبُوءَته صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن إتِّبَاع أُمَّته اليَهُود والنَّصَارَى:
أخْرَجَ البُخَارِيّ في صَحِيحه :
حَدَّثَنَا سَعِيد بن أبي مَرْيَم؛ ثَنَا غَسَّان؛ ثَنَا زَيْد بن أسْلَم؛ عن عَطَاء بن يَسَار؛ عن أبي سَعِيد رَضِيَ الله عَنْه أنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم قال n]لتَتَّبِعُنَّ
سُنَن مَن كان قَبْلكم شِبْرَاً بشِبْرَاً وذِرَاعَاً بذِرَاع، حتى لو
سَلَكوا جُحْر ضَبّ لسَلَكْتُمُوه، قُلْنَا: يا رسول الله؛ اليَهُود
والنَّصَارَى؟ قال: فمَنْ؟! ]، أي ومَنْ غَيْرهم.
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح، اتَّفَقَ عليه الشَّيْخَان.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
هكذا وَقَعَ الأمْر كما تَنَبَّأ به النَّبِيّ الصَّادِق صَلَّى الله عليه وسَلَّم، حيث تَتَبَّعَت أُمَّته صَلَّى الله عليه وسَلَّم
سُنَن الأُمَم السَّابِقَة واقْتَفَت آثَارها، وتَطَبَّعَت بها في
عاداتها وتَقَالِيدها عِشْرَةً وسُلُوكاً، فِكْرَاً وتَطْبِيقَاً، ولا
تَزَال الحال عَلَى هذا المِنْوَال إلى يَوْمنا هذا، حَيْثُ أعْرَضَت
الأُمَّة المُحَمَّدِيَّة عن حَضَارَتها الغَنِيَّة الثَّمِينَة وعاداتها
ورَوَاسِبها الرَّفِيعَة المُمْتَازَة؛ وأقْبَلَت بنَهمْ وإعْجَاب عَلَى
حَضَارَة غَيْرها مِنَ الأُمَم السَّابِقَة، الحَضَارَة المُنْهَارَة
المُسْتَوْرَدَة التي سَئمَ أهلها منها وأثْبَتَت عَدَم جَدَارتها
ومُسَايَرَتها للحَيَاة، أقْبَلَت الأُمَّة المُحَمَّدِيَّة عَلَيْها
وطَبَّقَتْها في جَمِيع مَرَافِق حياتها، في سُلُوكها ومَلْبَسها ومأكلها
ومَسْكَنها وعِشْرَتها، وكُلّ مَجَالات حياتها، وصَدَقَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم حين قال n]لو سَلَكوا جُحْر ضَبّ لسَلَكْتُمُوه ]، قال الحَافِظ ابن حَجَر n]والذي
يَظْهَر أنَّ التَّخْصِيص إنَّمَا وَقَعَ لجُحْر الضَّب لشِدَّة ضِيقه
ورَدَاءَته، مَعَ ذَلِك فإنَّهم لاقْتِفَائهم آثَارهم وإتِّبَاعهم
طَرَائِقهم لو دَخَلُوا في مِثْل هذا الضِّيق الرَّدِيء؛ لتَبِعُوهُم ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
1- تَسْمِيَة الأبْنَاء بأسْمَاء غير عَرَبِيَّة وغير ذات معنى.
2- تَسْمِيَة المَحَال التّجَارِيَّة والشَّرِكَات بأسْمَاء أجْنَبِيَّة.
3- التَّشَبُّه بغير المُسْلِمِين في المَلْبَس والمأكل والمَشْرَب (بالمُسَمَّيَات، وبالفِكْر، وبالتَّطْبِيق).
4- التَّشَبُّه بهم في الأعْيَاد والمُنَاسَبَات (في الأسْمَاء، وطُرُق الاحْتِفَال).
5- الإتِّبَاع المُطْلَق لكل ما يَقُولُونه
ويَنْشُرونه مِن أفْكَار ومَبَادِئ ومُعْتَقَدَات (اجْتِمَاعِيَّة،
سِيَاسِيَّة، سُفُورِيَّة).
وغَيْر ذَلِك الكَثِير مِمَّا لَنْ تَتَّسِع صَفَحَات المُنْتَدَى لذِكْره وتَفْصِيله، واللَّبِيب بالإشَارَة يَفْهَمُ.
2
نُبُوءَته صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن تَبَاهِي النَّاس في المَسَاجِد:
أخْرَج أبو دَاوُد في سُنَنِه :
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الخُزَاعِيّ؛ ثَنَا غَسَّان؛ ثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة؛ عَنْ أيُّوب؛ عَنْ أبِي قَلابَة؛ عَنْ أَنَس؛ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم قَالَ n]لا تَقُوم السَّاعَة حتى يَتَبَاهَى النَّاس في المَسَاجِد ].
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح، رِجَال إسْنَادَيّ النِّسَائِيّ وأبِي دَاوُد في هذا الحَدِيث ثِقَات.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم،
حَيْثُ أوْلَع نَوْع مِنَ المُسْلِمِين مِنْ قَدِيم الزَّمَان حتى الآن
بتَشْيِيد المَسَاجِد وتَحْسِينهَا والتَّفَاخُر والتَّبَاهِي في هذا
المَجَال، ويَشْهَد لذَلِك وُجُود مَسَاجِد عَظِيمَة بجوار بَعْضها البَعْض
دون دَاعٍ لذَلِك، نَسْأل الله سُبْحَانَه وتَعَالَى حُسْن النِّيَّة
والإخْلاص في العَمَل.
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
1- كَثْرَة وتَقَارُب المَسَاجِد في المَنْطِقَة
الوَاحِدَة، بَلْ وفي الشَّارِع الوَاحِد أيْضَاً، بلا ضَرُورَة لذَلِك،
فَضْلاً عَنْ وُجُود مَنَاطِق بأكْمَلها خَالِيَة مِنَ المَسَاجِد
(خَاصَّةً المَنَاطِق التي تُسَمَّى: الرَّاقِيَة).
2- كَثْرَة الزَّخَارِف دَاخِل وخَارِج
المَسْجِد، سَوَاء كَانَت زَخَارِف مِعْمَارِيَّة أو ألْوَان ورُسُومَات
عَلَى الجُدْرَان والزُّجَاج والأسْقُف والأبْوَاب.
3- هذا الأمْر مِنْ عَادَات النَّصَارَى في
كَنَائِسهم، وهُوَ أمْر مُنْكَر عَلَى المُسْلِمِين، سَوَاء في التَّشَبُّه
عُمُومَاً، أو في إتِّبَاع النَّصَارَى كَمَا بَيَّنَّا في النُّبُوءَة
السَّابِقَة، أو في تَزْيِين المَسَاجِد كَمَا في هذه النُّبُوءَة.
4- ومِنْ إتِّبَاع النَّصَارَى أيْضَاً تَسْمِيَة
المَسَاجِد بأسْمَاء أشْخَاص، سَوَاء مَنْ أنْفَقوا لبِنَائها أو أشْخَاص
صَالِحِين مَاتُوا قَدِيمَاً.
5- الأفْظَع مِنْ ذَلِك أنَّ المَسَاجِد صَارَت
وَسِيلَة للكَسْب غَيْر المَشْرُوع، وصَارَت وَسِيلَة للتَّحَايُل
والتَّدْلِيس، فَالقَانُون المِصْرِي عَلَى سَبِيل المِثَال يَسْمَح
بإعْفَاءَات ضَرِيبِيَّة للمَبْنَى المُلْحَق بِهِ مَسْجِد، وبنَاءً عَلَى
ذَلِك نَجِد كُلّ مَنْ يُرِيد تَخْفِيض ضَرَائِبه أو الإعْفَاء مِنْهَا
يَقُوم ببِنَاء مَسْجِد بالدُّور الأوَّل أو الأرْضِي مِنَ البِنَاء
الَّذِي يَبْنِيه، ويُلَقِّبُونَهَا (زَاوِيَة) لكَوْنهَا بغَيْر مئْذَنَة،
حتى أنَّ بَعْض العُلَمَاء حَرَّم الصَّلاة في مِثْل هذه المَسَاجِد أو
الزَّوَايَا، لأنَّ المَسْجِد كالمُصْحَف، لا يَجِب أنْ يَعْلُوه شَيْء.
3
نُبُوءَته صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم عَنْ سَنَوَات خَدَّاعَات:
أخْرَجَ ابْن مَاجَه في سُنَنِه:
حَدَّثَنَا أبُو بَكْر بْن شَيْبَة؛ ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون؛ ثَنَا عَبْد المَلِك بْن قُدَامَة الجُمَحِيّ؛ عَنْ إسْحَاق بْن أبِي الفُرَات؛ عَنْ المقبري؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَة أنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم قَالَ n]سَيَأتِي
عَلَى النَّاس سَنَوَات خَدَّاعَات، يُصَدَّق فِيهَا الكَاذِب ويُكَذَّب
فِيهَا الصَّادِق، ويُؤْتَمَن فِيهَا الخَائِن ويُخَوَّن فِيهَا الأَمِين،
ويَنْطِق فِيهَا الرُّوَيْبِضَة، قِيْلَ: ومَا الرُّوَيْبِضَة؟ قَالَ:
الرَّجُل التَّافِه في أمْر العَامَّة ].
- سَنَوَات خَدَّاعَات: أي تَكْثُر فِيهَا
الأمْطَار ويَقِلّ الرِّيع، فَذَلِكَ خِدَاعهَا، لأنَّهَا تُطَمِّعْهم في
الخِصْب بالمَطَر ثُمَّ تخْلِف، وقِيلَ الخَدَّاعَة قَلِيلَة المَطَر،
وظَاهِر المَعْنَى هُوَ أنَّهَا سَنَوَات تَنْقَلِب فِيهَا الأُمُور
وتَخْتَلِط.
- الرُّوَيْبِضَة: المعنى اللُّغَوِي أي
العَاجِز الَّذِي رَبَضَ عَنْ مَعَالِي الأُمُور وقَعَدَ عَنْ طَلَبها،
وزِيَادَة التَّاء للمُبَالَغَة، والمَعْنَى الاصْطِلاحِي أي الرَّجُل
التَّافِة الَّذِي لَيْسَ لَدَيْه مِنَ العِلْم شَيْء ويَتَحَدَّث في أمْر
العَامَّة ويُفْتِيهم ويُسْنَد إلَيْهِ أمْرهم.
- التَّافِه: الخَسِيس الحَقِير.
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح بمَجْمُوع طُرُقه، صَحَّحَه الحَاكِم والذَّهَبِي.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم،
فَقَد أتَت سَنَوَات خَدَّاعَات في زَمَاننا هذا الَّذِي تَغَيَّرَت
فِيهِ القِيَم، فَصَارَ اللَّبِق الكَاذِب زَعِيمَاً صَادِقَاً،
والصَّادِق الصَّريح كَاذِبَاً مُفْتَرِيَّاً، كَمَا أصْبَحَ الخَوَنَة
أُمَنَاء والعَكْس، نَسْأَل الله الرُّشْدَ والهِدَايَة، إنَّهُ وَلِيُّ
ذَلِك والقَادِر عَلَيْه.
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
هي أكْثَر مِنْ أنْ تُعَد وتُحْصَى، وأنْتُم تَعْرِفُونَهُم بأسْمَائهم وصِفَاتهم ومَوَاقِعهم.
4
نُبُوءَته صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم عن تَسْلِيم الخَاصَّة والمَعْرِفَة:
أخْرَجَ أحْمَد في مُسْنَده :
حَدَّثَنَا أبُو النَّضر؛ ثَنَا شُرَيْك؛ عَنْ عَيَّاش العَامِرِيّ؛ عَنْ الأسْوَد بْن هلال؛ عَنْ ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم n]إنَّ مِنْ أشْرَاطِ السَّاعَة أنْ يُسَلِّم الرَّجُل عَلَى الرَّجُل لا يُسَلِّم عَلَيْه إلاَّ للمَعْرِفَة ].
دَرَجَة الحَدِيث :
حَسَن بمَجْمُوع طُرُقه، أسَانِيده يُقَوِّي بَعْضهَا بَعْضَاً.
تَحَقُّق النُّبُوءَة :
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم،
حَيْثُ أصْبَح المُسْلِمون في هذه الأيَّام وقَدْ نَسوا أو تَنَاسوا
السَّلام، تَحِيَّة الإسْلام الغَالِيَة، التي كَانَت تُورِث المَحَبَّة
والمَوَدَّة في القُلُوب، وعَادُوا لا يُسَلِّم أحَدهم عَلَى الآخَر إلاَّ
إذا كان بَيْنَهم سَابِق مَعْرِفَة، فكَثِيرَاً مَا يَمُرّ أحَدنَا
بأخِيهِ المُسْلِم فَلا يُلْقِي عَلَيْه السَّلام لأنَّه لا يَعْرِفه أو
لا يَمُتّ لَهُ بصِلَة، وهذا يُخَالِف أمْر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم الَّذِي أمَرَنَا بإفْشَاء السَّلام، وجَعَلَ في مُجَرَّدِ نُطْقه ثَوَابَاً عَظِيمَاً، فَقَدْ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم n]مَنْ
قَالَ السَّلامُ عَلَيْكُم كُتِبَت لَهُ عَشْر حَسَنَات، ومَنْ قَالَ
السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَه الله كُتِبَت لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَة، ومَنْ
قَالَ السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَة الله وبَرَكَاته كُتِبَت لَهُ
ثَلاثُونَ حَسَنَة ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
1. النُّفُور مِنْ تَحِيَّة الإسْلام وتَحِيَّة أهْل الجَنَّة (السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَة الله وبَرَكَاتُه)، واعْتِبَارها مِنَ الرَّجْعِيَّات التي يَجِب اسْتِبْدَالهَا بِمَا هُوَ مُسْتَحْدَث عَنْهَا مُسَايَرَةً للتَّقَدُّم.
2. اسْتِحْدَاث ألْوَان جَدِيدَة مِنَ السَّلام
وفُشُوّهَا بَيْنَ بَعْض طَوَائِف المُجْتَمَعَات، كَالسَّلام بأرْنَبَتَي
الأنْف، والسَّلام بأطْرَاف الأصَابِع، والسَّلام بإصْبَع أو بمَجْمُوعَةٍ
مِنَ الأصَابِع لا بالكَفّ كُلّه، والسَّلام بالطُّرُق المُسْتَوْرَدَة
مِنَ الغَرْب والمُسْتَوْحَاة مِنْ أفْلامهم وثَقَافَاتهم الفَاسِدَة،
كتَشْبِيك الأصَابِع عِنْدَ السَّلام بطَرِيقَة مُعَيَّنَة، والسَّلام عَنْ
طَرِيق تَجْمِيع لبَعْض الحَرَكَات، كُلّ ذَلِك بَدَلاً مِنْ كَلِمَة
(السَّلامُ عَلَيْكُم)، والتي اسْتَبْدَلُوهَا أيْضَاً بكَلِمَات
وتَعْبِيرَات أُخْرَى، بَعْضهَا أجْنَبِيّ؛ وبعضها مُبْتَكَر غَيْر
مَفْهُوم المَعْنَى، بَلْ والأكْثَر مِنْ ذَلِك أنَّ الشَّبَاب فِيمَا
بَيْنَهم صَارَ كُل فَرِيق مِنْهم يُخَصِّص لَفْظ أو طَرِيقَة سَلام
تَقْتَصِر عَلَى بَعْض أعْضَائه فَقَط، ولابُدّ أنْ تَكُون جَدِيدَة ولا
تَتَشَابَه مَعَ فَرِيق آخَر، كَنَوْع مِنَ التَّمَيُّز الزَّائِف، ونَحْنُ
تَرَكْنَا قَوْل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم ] إنَّ اليَهُود لَيَحْسِدُونَكُم عَلَى السَّلام والتَّأمِين ] وتَشَبَّهْنَا بهم.
3. هُنَاك طَائِفَة لا تَهْتَمّ بالسَّلام
أصْلاً، وتَعْتَبِره تَضْيِيعَاً لوَقْت أوْلَى اسْتِخْدَامه في شَيْء
آخَر، كَمَا تَعْتَبِره مُجَرَّد كَلام لا يَأتي بفَائِدَة، ولا يُعَبِّر
عَنْ مَا في القَلْب، فَمَا أسْهَل أن يَكْذب الإنْسَان، وبالتَّالِي
لَيْسَ لَهُ مَعْنَى أنْ تُلْقِي السَّلام لشَخْص لا يَتَأكَّد مِنْ صِدْق
سَلامك هذا، اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا مِنْ سَفَه العُقُول.
4. هُنَاك طَائِفَة أُخْرَى أكْثَر وأشَدّ
جَهْلاً، صَارَت تُحَارِب السُّنَّة، فَابْتَدَعَت مَثَلاً شَعْبِيَّاً
يَقُول (كَثْرَة السَّلام تُقَلِّل مِنَ المَعْرِفَة)، وبالعَامِّيَّة
المِصْرِيَّة (كُتْر السَّلام يِئِلّ المَعْرِفَة)، وهذا ضَرْبَاً مِنَ
الخَبَل والجَهْل، وهُوَ تَكْذِيب ومُعَادَاة لسُنَّة المُصْطَفَى صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم التي تَأمُر بعَكْس ذَلِك وتُجْزِل لَهُ الثَّوَاب.
5. هُنَاك طَائِفَة تَحْتَاج إلى تَقْوِيم إمَّا
في اللُّغَة العَرَبِيَّة أو في فَمِهَا ولِسَانها؛ كي تَنْطِق السَّلام
بطَرِيقَة صَحِيحَة، فَهِيَ تَنْطِقه مِنْ بَاب التَّيْسِير البَغِيض
فتَقُول (سَامُو عَلِيكُو)، وهذا دُعَاء بالمَوْت حَذَّرَ مِنْ قَوْله
رَسُول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم إلاَّ رَدَّاً عَلَى الأعْدَاء مِنْ غَيْر المُسْلِمِين، فَلَقَد أوْرَدَ البُخَارِيّ في صَحِيحه مِنْ حَدِيث أُمّ المُؤْمِنِين عَائِشَة رَضِيَ الله عَنْهَا n]كَانَ
اليَهُود يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم
يَقُولُون: السَّامُّ عَلَيْكَ، فَفَطِنَت عَائِشَة إلى قَوْلهم، فَقَالَت:
عَلَيْكُم السَّامّ واللَّعْنَة، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْه
وسَلَّم: مَهْلاً يَا عَائِشَة، إنَّ الله يُحِبّ الرِّفْقَ في الأمْرِ
كُلّه، فَقَالَت: يَا نَبِيّ الله؛ أوَلَمْ تَسْمَع مَا يَقُولُون؟ قَالَ:
أوَلَمْ تَسْمَعِي أنِّي أرُدّ ذَلِكَ عَلَيْهم فَأقُول: وعَلَيْكُم ]،
وكَذَلِك مُحِبِّي الاخْتِصَار يَقُولُون (سَلام)، ودَلِيلهم البَاطِل
أنَّ المَعْنَى النِّهَائِي يَصِل، فَمَا الدَّاعِي للتَّمَسُّك باللَّفْظ
الطَّوِيل كَمَا هُوَ!! اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا.
6. بَعْض الأُخْوَة ذَوِي اللِّحْيَة؛ وبَعْض
والأخَوَات ذَوَات النِّقَاب؛ لا يَقُومُون بإلْقَاء السَّلام إلاَّ عَلَى
مَنْ يُشَابِههُم، فَالمُلْتَحِي لا يُسَلِّم إلاَّ عَلَى ذُو لِحْيَة
مِثْله وكَذَلِك المُنْتَقِبَة، رَغْمَ أنَّهُم يَمُرُّونَ قَبْلهم
وبَعْدهم بأُنَاسٍ كَثِيرُون ولا يلْقُونَ عَلَيْهم السَّلام، وكَأنَّ
لِسَان حالهم يَقُول e]نَحْنُ فَقَط مَنْ نَسْتَحِقّ
السَّلام، فَنَحْنُ فَقَط المُسْلِمُون لأنَّنَا الْتَزَمْنَا بِمَا في
كِتَاب الله، أمَّا الباقين فلا ]، ورَغْمَ أنَّ هذا الفِعْل قَدْ
يَصِحّ في بَعْض المَوَاقِف المُعَيَّنَة وفْقَ شُرُوط مُحَدَّدَة، إلاَّ
أنَّهُ بمِثْل هذه الطَّرِيقَة صَارَ إسَاءَة للإسْلام، ولَيْسَ العَيْب في
اللِّحْيَة أو النِّقَاب، فَأوَامِر الله وعِبَادَاته غَيْر جَالِبَة
للعُيُوب والإسَاءَة، ولكن العَيْب يَنْبُع مِنَ الشَّخْص نَفْسه الَّذِي
جَمَّدَ تَفْكِيره إمَّا عَلَى لا شَيْء أو عَلَى نَمَط وَاحِد لا
يُغَيِّره ولا يُفَكِّر في أصْله ولا في مَشْرُوعِيَّته، لِذَا نَجِد
الكَثِيرُونَ مِنْ طَلَبَة العِلْم قَدْ أسَاءُوا إلى العِلْم والعُلَمَاء
بسُوء تَصَرُّفهم الفَرْدِي الَّذِي لا يُقِرّه الشَّرْع ولا يَأمُر بِهِ
عَالِم مِنَ العُلَمَاء، وقَدْ يَصْدُق فِيهم قَوْل الله تَعَالَى n]قُلْ
هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا 103 الَّذِينَ ضَلَّ
سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
يُحْسِنُونَ صُنْعًا ] لأنَّهُم يَحْسَبُونَ أنَّهُم تَعَلَّمُوا
العِلْمَ الشَّرْعِيّ مِنْ عُلَمَائهم، وفي الحَقِيقَة مَا تَعَلَّمُوا
مِنْهُم شَيْئَاً، بَلْ سَمِعُوه ولَمْ يَعْقِلُوه، فَصَارُوا أكْثَر
وأوَّل مَنْ يُسِيء للإسْلام.
5
نُبُوءَته صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم بأنَّه لا يَأتِي زَمَان إلاَّ والَّذِي بَعْده شَرّ مِنْه :
أخْرَجَ البُخَارِيّ في صَحِيحه :
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُف؛ ثَنَا سُفْيَان؛ عَنْ الزُّبَيْر؛ عَنْ عَدِيّ قَالَ ]
أتَيْنَا أنَس بْن مَالِك فَشَكَوْنَا إلَيْهِ مَا يَلْقَوْن مِنَ
الحَجَّاج فَقَالَ: (اصْبِرُوا، فَإنَّه لا يَأتِي عَلَيْكُم زَمَان إلاَّ
والَّذِي بَعْده أشَرّ مِنْه حتى تَلْقوا رَبّكُم) سَمِعْته مِنْ نَبِيّكم
صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم ]، قَالَ ابْن حَجَر n]الحَجَّاج هُوَ ابْن يُوسُف السَّقَفِي، الأَمِير المَشْهُور، والمُرَاد شَكْوَاهُم مَا يَلْقَوْن مِنْ ظُلْمه لَهُم وتَعَدِّيه ].
دَرَجَة الحَدِيث :
صَحِيح، أخْرَجَه الإمَام البُخَارِيّ في صَحِيحه.
تَحَقُّق النُّبُوءَة :
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم،
حَيْثُ نَجِد الأُمُور سَائِرَة إلى فَسَاد، والأحْوَال إلى انْحِطَاط
مِنَ القَرْن الأوَّل الهِجْرِي إلى يَوْمنا هذا، فَلا يَأتِي يَوْم أو
عَام أو قَرْن جَدِيد إلاَّ وهُوَ أكْثَر فَسَادَاً وشَرَّاً مِنْ سَابِقه.
قَالَ ابْن بَطَّال n]هذا
الخَبَر مِنْ أعْلام النُّبُوَّة؛ لإخْبَاره صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم
بفَسَاد الأحْوَال، وذَلِكَ مِنَ الغَيْب الَّذِي لا يُعْلَم بالرَّأي
وإنَّمَا يُعْلَم بالوَحْي ].
وقَدْ حَملَه الحَسَن البَصْرِي عَلَى الأكْثَر الأغْلَب، فَسُئِلَ عَنْ وُجُود عُمَر بْن عَبْد العَزِيز بَعْدَ الحَجَّاج فَقَالَ n]لابُدَّ للنَّاس مِنْ تَنْفِيس ]، وأجَابَ بَعْضهم بأنَّ المُرَاد بالتَّفْضِيل تَفْضِيل مَجْمُوع العَصْر عَلَى مَجْمُوع العَصْر، فَإنَّ عَصْر الحَجَّاج كَانَ فِيهِ كَثِير مِنَ الصَّحَابَة في الأحْيَاء، وفي عَصْر عُمَر بْن عَبْد العَزِيز انْقَرَضُوا، والزَّمَان الَّذِي فِيهِ الصَّحَابَة خَيْرٌ مِنَ الزَّمَان الَّذِي بَعْده لقَوْله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم n]خَيْر
النَّاس قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِين يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُم، ثُمَّ يَجِيء مِنْ بَعْدهم قَوْم تَسْبِق شَهَادَتهم
أيْمَانهم وأيْمَانهم شَهَادَتهم].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
الوَاقِع يَشْرَح نَفْسه دُونَ حَاجَة إلى أمْثِلَه، ونُبُوءَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم تَتَحَقَّق
كُلّ لَحْظَة، ويَعِي ذَلِك جَيِّدَاً ذُو البَصِيرَة الفَطِن، ولكن
يَجِب التَّنْبِيه عَلَى أنَّ هذه النُّبُوءَة لَيْسَت مَدْعَاة
للتَّوَاكُل ونَبْذ العَمَل والدَّعْوَة إلى الله تَحْت حُجَّة أنَّ
الزَّمَان يَزْدَاد سُوءَاً، بَلْ عَلَى العَكْس، هذه النُّبُوءَة شَأنهَا
شَأن كُلّ النُّبُوءَات، تُحَفِّز عَلَى العَمَل والدَّعْوَة أكْثَر،
حَيْثُ أنَّهُ بازْدِيَاد الزَّمَان سُوءَاً يَزْدَاد احْتِيَاج النَّاس
لهذه الدَّعْوَة.
6
نُبُوءَته صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم عَنْ القَدَرِيَّة:
أخْرَجَ الإمَام أحْمَد في مُسْنَده:
حَدَّثَنَا أبُو عَبْد الرَّحْمَن عَبْد الله بْن يَزِيد؛ ثَنَا سَعِيد يَعْنِي ابْن أبي أيُّوب؛ ثَنَا أبُو صَخْر؛ عَنْ نَافِع قَالَ n]كَانَ
لابْن عُمَر صَدِيق مِنْ أهْل الشَّام يُكَاتِبه، فكَتَبَ إلَيْه مَرَّة
عَبْد الله بْن عُمَر: أنَّه بَلَغَنِي أنَّكَ تَكَلَّمْت في شَيْءٍ مِِنَ
القَدَر، فإيَّاكَ أنْ تَكْتُب إلَيّ، فإنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله
صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم يَقُول (سَيَكُون مِنْ أُمَّتِي أقْوَام
يُكَذِّبون بالقَدَر) ].
- القَدَر .. هُوَ مَا قَضَاه الله وحَكَمَ بِهِ مِنَ الأُمُور.
- القَضَاء .. هُوَ نَفَاذ وتَحَقُّق ذَلِكَ القَدَر.
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح، صَحَّحه التِّرْمِذِي والحَاكِم والذَّهَبِي.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
قَدْ وَقَعَ مَا أخْبَرَ بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم،
حَيْثُ ظَهَرَت في حُدُود سَنَة سَبْعِين مِنَ الهِجْرَة فِرْقَة
أنْكَرَت القَدَر، وزَعَمَت أنَّ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى لَمْ يُقَدِّر
الأشْيَاء، ولَمْ يَتَقَدَّم عِلْمه سُبْحَانَه بِهَا، وإنَّمَا
يَعْلَمهَا سُبْحَانَه بَعْدَ وُقُوعهَا، وسُمِّيَت هذه الفِرْقَة
بالقَدَرِيَّة، لإنْكَارهم القَدَر، وكَانَ أوَّل مَنْ تَكَلَّم في
القَدَر هُوَ مُعَبَّد بْن خَالِد الجُهَنِيّ.
وإنَّ مَذْهَب أهْل الحَقّ هُوَ إثْبَات القَدَر، ومَعْنَاه أنَّ الله
تَبَارَك وتَعَالَى قَدَّر الأشْيَاء في القِدَم، وعَلِمَ سُبْحَانَه
أنَّهَا سَتَقَع في أوْقَات مَعْلُومَة عِنْده سُبْحَانَه وتَعَالَى،
وعَلَى صِفَات مَخْصُوصَة، فَهِيَ تَقَع حسب مَا قَدَّرَهَا الله
سُبْحَانَه وتَعَالَى، وهُوَ عَزَّ وجَلّ يُعْبَد بأمْره ويُعْصَى بعِلْمه
ولا يَخْفَى عَلَيْه في مُلْكه شَيْء.
- قَالَ تَعَالَى n]إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ].
- وقَالَ تَعَالَى n]وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا
تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا
عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ
مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ
مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ].
- وقَالَ أهْل العِلْم n]سُبْحَانَه، عَلِمَ مَا كَانَ، ومَا سَوْفَ يَكُون، ومَا لا يَكُون؛ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُون ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
1. ظُهُور القَدَرِيَّة الجُدُد، قَالُوا مِثْل
مَا قَال سَلَفهم، بَلْ وأضَافُوا أنَّ أفْعَال النَّاس ومَقَادِيرهم
تَتَحَدَّد وِفْق تَفَاعُلهم مَعَ بَعْضهم البَعْض ولَيْسَ وِفْق قَدَر
مَكْتُوب مُسْبَقَاً، مِثْل تَفَاعُل قُوَى العَرْض والطَّلَب التي
تُحَدِّد الأسْعَار في السُّوق، بلا تَدَخُّل مِنَ الله أو تَقْدِير
مُسْبَق مِنْه، تَعَالَى الله عَمَّا يَصِفُون.
2. رَفْض القَدَر بالأفْعَال والأقْوَال عِنْدَ
نزول الابْتِلاءات والمَصَائِب، بفِعْل أفْعَال تُخَالِف الشَّرِيعَة
وقَوْل أقْوَال تَصْطَدِم بالعَقِيدَة.
3. رَفْض القَدَر بالاعْتِرَاض عَلَيْه، وعَدَم
الرِّضَا والقَنَاعَة بِهِ، والشُّكْر والحَمْد والصَّبْر عَلَيْه، وأوْضَح
مَا في ذَلِك قَضِيَّة العُقْم؛ الوَأد قَدِيمَاً والإجْهَاض حَدِيثَاً
(الوَأد الخَفِيّ)، عَمَلِيَّات التَّجْمِيل .... الخ.
4. رَفْض القَدَر بعَدَم التَّوَكُّل عَلَى الله
حَقَّ تَوَكُّله، وعَدَم اليَقِين الجَازِم في تَحَقُّق القَدَر
المَكْتُوب لكُلّ إنْسَان، وأكْبَر ما في ذَلِك قَضِيَّة الرِّزْق ومَا
يَسْتَبِيحه النَّاس مِنَ المُحَرَّمَات بحُجَّة ضِيق الرِّزْق.
7
نُبُوءَته صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم عَنْ اسْتِمْرَار طَائِفَة مِنْ أُمَّته ظَاهِرِين:
أخْرَجَ البُخَارِيّ في صَحِيحه:
حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بْن مُوسَى؛ عَنْ إسْمَاعِيل؛ عَنْ قَيْس؛ عَنْ المُغِيرَة بْن شُعْبَة؛ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم قَالَ n]لا تََزَال طََائِِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِين حتى يَأتِيهم أمْر الله وهُمْ ظَاهِرُون ]، قَالَ ابْن حَجَر n]المُرَاد
بأمْر الله هُنَا الرِّيح التي تَقْبِض رَوْح كُلَّ مَنْ في قَلْبه شَيْء
مِنَ الإيِمَان، ويَبْقَى شِرَار النَّاس، فعَلَيْهم تَقُوم السَّاعَة ].
وأخْرَجَ الإمام مُسْلِم في صَحِيحه n]لا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِين عَلَى الحَقّ، لا يَضُرّهم مَنْ خَالَفَهم ].
دَرَجَة الحَدِيث:
الحَدِيث صَحِيح، أخْرَجَه الشَّيْخَان.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم، حَيْثُ لَمْ تَزَل جَمَاعَة مِنْ أُمَّته صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم
غَالِبَة مَشْهُورَة مِنْ عَصْر الصَّحَابَة رَضِيَ الله عَنْهم إلى
يَوْمنَا هذا رَغْم العَوَاصِف الهَوْجَاء التي هَبَّت ضِدَّ الإسْلام
ومُعْتَقَدَاته الثَّابِتَة، وهي جَمَاعَة تَكَوَّنَت مِنْ شِتَات
المُؤْمِنِين مِمَّن يَشْتَغِلونَ في أنْوَاع الخَيْر المُخْتَلِفَة،
ويُقِيمُونَ شَعَائِر الإسْلام، ويُصْلِحُونَ أمْر الدِّين؛ مِنْ مُحَدِّثٍ
وفَقِيهٍ ومُفَسِّرٍ ومُجَاهِدٍ وزَاهِدٍ وآمِرٍ بالمَعْرُوف ونَاهٍ عَنْ
المُنْكَر ومَا إلى ذَلِك.
يَقُول ابْن عَدِيّ n]هذه
الطَّائِفَة هُمْ أصْحَاب الحَدِيث الَّذِين يَتَعَاهَدون مَذَاهِب
الرَّسُول ويَذُبُّون عَنْ العِلْم، لَوْلاهُم لَمْ نَجِد عَنْ
المُعْتَزِلَة والرَّافِضَة والجَهْمِيَّة وأهْل الرَّأي شَيْئَاً مِنْ
سُنَن المُرْسَلِين ]، ويَقُول الحَافِظ ابْن حَجَر n]جَزَمَ
البُخَارِيّ بأنَّ المُرَاد بِهِم أهْل العِلْم بالآثَار، وقَالَ أحْمَد
بْن حَنْبَل (إنْ لَمْ يكونوا أهْل الحَدِيث فلا أدْرِي مَنْ هُمْ)،
وقَالَ القَاضِي عياض (أرَادَ أحْمَد أهْل السُّنَّة ومَنْ يَعْتَقِد
مَذْهَب أهْل الحَدِيث) ]، وقَالَ الإمَام النَّوَوِي n]يُحْتَمَل
أنَّ هذه الطَّائِفَة مُفَرَّقَة بَيْنَ أنْوَاع المُؤْمِنِين، مِنْهُم
شُجْعَان مُقَاتِلُون، ومِنْهُم فُقَهَاء زُهَّاد وآمِرُون بالمَعْرُوف
ونَاهُون عَنْ المُنْكَر، ومِنْهُم أهْل أنْوَاع أُخْرَى مِنَ الخَيْر، ولا
يَلْزَم أنْ يَكُونُوا مُجْتَمِعِين، بَلْ قَدْ يَكُونُون مُتَفَرِّقين
في أقْطَار الأرْض، وفي هذا الحَدِيث مُعْجِزَة ظَاهِرَة، فَإنَّ هذا
الوَصْف مَازَالَ بحَمْد الله تَعَالَى مِنْ زَمَن النَّبِيّ صَلَّى الله
عَلَيْه وسَلَّم إلى الآن، ولا يَزَال حتى يَأتِي أمْر الله المَذْكُور في
الحَدِيث ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
الأمْثِلَة كَثِيرَة ويَصْعُب حَصْرهَا، فَمِنْهُم المُجَاهِد بمَاله
والمُجَاهِد بنَفْسه والمُجَاهِد بفِكْره (مُخْلِصَاً لله دُونَ رِيَاء أو
حُبّ سُمْعَة)، ومِنْهُم الفَقِيه العَالِم (الَّذِي لا يَنْطِق إلاَّ
بالحَقّ)، ومِنْهُم طَالِب العِلْم ونَاشِره (بالشَّكْل الصَّحِيح)،
ومِنْهُم الآمِر بالمَعْرُوف والنَّاهي عَنْ المُنْكَر (الَّذي لا يَخْشَى
في الله لَوْمَة لائِم)، ومِنْهُم المُتَتَبِّع لسِيرَة رَسُول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم بالدِّرَاسَة
والتَّطْبِيق والنَّشْر والدِّفَاع عَنْهَا، والكَثِير الكَثِير في
مُخْتَلَف المَجَالات، نَدْعُو الله أنْ يُزِيد مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَة
ويُكْثِر مِنْهَا، وأنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أهْلِهَا.
8
نُبُوءَته صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم عَنْ الكَذَّابِين في الحَدِيث:
أخْرَجَ الإمَام مُسْلِم في مُقَدِّمَة صَحِيحه:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن نُمَيْر وزُهَيْر بْن حَرْب؛ ثَنَا عَبْد الله بْن يَزِيد؛ ثَنَا سَعِيد بنْ أيُّوب؛ ثَنَا أبُو هَانِي؛ عَنْ أبِي عُثْمَان مُسْلِم بْن يَسَار؛ عَنْ أبِي هُرَيْرَة؛ عَنْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم أنَّهُ قَالَ n]سَيَكُون في آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثونَكُم مَا لَمْ تَسْمَعوا أنْتُم ولا آبَاؤكُم، فَإيَّاكُم وإيَّاهُم ].
دَرَجَة الحَدِيث:
صَحِيح، أخْرَجَه الإمَام مُسْلِم في مُقَدِّمَة صَحِيحه.
تَحَقُّق النُّبُوءَة:
صَدَقَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم، حَيْثُ ظَهَرَ في أُمَّته صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم أُنَاس رَغِبوا لسَبَبٍ أو لآخَر في اخْتِلاق الأحَادِيث والقِصَص ووَضْعهَا ونِسْبَتها إلى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم زُورَاً
وبُهْتَانَاً، فَجَاءوا بأحَادِيث لَمْ يَسْمَعهَا الرَّعِيل الأوَّل
مِنَ الصَّحَابَة والتَّابِعِين، بَلْ لا يَقْبَلها العَقْل السَّلِيم ولا
يَسُوغها الفِكْر المُسْتَقِيم، مَا هي إلاَّ أحَادِيث مَوْضُوعَة
مُخْتَلَقَة افْتَرَاهَا أُولَئِكَ الكَذَّابون والوَضَّاعون، وسَوْفَ
يَفْتَرِيهَا أتْبَاعهم الَّذِين يَحْذون حَذْوهم ويَنْقِلُون عَنْهُم،
الَّذِين قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم عَنْهُم n]إنَّ كَذِبَاً عَلَيَّ لَيْسَ ككَذِب عَلَى أحَد، فمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدَاً فليَتَبَوَّأ مقْعَدَه مِنَ النَّار ]، وقَالَ n]مَنْ تَقَوَّل عَلَيَّ ما لَمْ أقُل فليَتَبَوَّأ مقْعَدَه مِنَ النَّار ]، وقَالَ أيْضَاً n]إيَّاكُم
وكَثْرَة الحَدِيث عَنِّي، فمَنْ قَالَ عَلَيَّ فَليَقُل حَقَّاً أو
صِدْقَاً، ومَنْ تَقَوَّل عَلَيَّ مَا لَمْ أقُل فليَتَبَوَّأ مقْعَدَه
مِنَ النَّار ]، ومَعْنَى n]إيَّاكُم وكَثْرَة الحَدِيث عَنِّي ] أي دُونَ تَثَبُّت مِنْ صِحَّة مَا يُقَال، ويُؤَكِّد هذا المَعْنَى قَوْله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم ] فمَنْ قال عَلَيَّ فليَقُل حَقَّاً أو صِدْقَاً ]، وقَوْله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم [ مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثَاً يَظُنّ أنَّه كَذِب فهُوَ أحَد الكَذَّابين ].
الأمْثِلَة التَّطْبِيقِيَّة (مُجَرَّد أمْثِلَة):
1. نَرَى اليَوْم كَثِيراً بَعْض مُحِبِّي
الخَيْر يَقُومُونَ بطَبْع وَرَق وتَوْزِيعه عَلَى النَّاس في المَسَاجِد
والشَّوَارِع؛ أو يَنْشُرُونَه عَنْ طَرِيق الإنْتَرْنِتّ عَبْرَ البَرِيد
الإلِكْتِرُونِي والمَوَاقع والمُنْتَدَيَات؛ بِهِ أحَادِيث تَحُثّ عَلَى
الخَيْر وفَضَائِل الأعْمَال، دُونَ أنْ يَتَحَرّوا صِحَّة هذه
الأحَادِيث، وهي في مُعْظَمها أحَادِيث مَوْضُوعَة، والبَقِيَّة
البَاقِيَة ضَعِيفَة، وقَلَّمَا نَجِد بَيْنهَا حَدِيث صَحِيح.
2. غَالِبِيَّة مَا يُنْشَر عَلَى البَرِيد
الإلِكْتِرُونِي وفي المُنْتَدَيَات والمَوَاقِع مِنْ أحَادِيث أكْثَرها
تُكْتَب بدون روَايَة أو سَنَد، بَلْ يَكْتَفِي كَاتِبها بقَوْله (عَنْ رَسُول الله أنَّه قَالَ، قَالَ رَسُول الله، جَاءَ في الحَدِيث الشَّرِيف .. الخ)، ودَائِمَاً ما تُنْشَر هذه الأحَادِيث مُصَاحِبَة لعِبَارَة (انْشُرْهَا ولَكَ الأجْر، هذه أمَانَة في عُنُقك أن تَنْشُرها، اسْتَحْلِفُكَ بالله أنْ تُرْسِلها ... الخ)
أو أي عِبَارَة مِنْ شَأنها التَّأثِير عَلَى القَارِئ بحَيْثُ يَعْتَقِد
في صِحَّة الرِّسَالَة وأنَّه آثِم لَوْ لَمْ يَنْشُرها لِمَا فِيهَا
مِنَ الخَيْر، ويَسْتَخْدِمون في ذَلِك بَعْض الأدِلَّة الصَّحِيحَة مِنَ
القُرْآن والسُّنَّة التي تُحَذِّر مِنْ كِتْمَان العِلْم وضَرُورَة أدَاء
الأمَانَة ومَا إلى ذَلِك لتَدْعِيم مَوْقِفهم، ومَا اسْتِخْدَامهم لَهَا
إلاَّ قَوْلٌ حَقّ أُرِيدَ بِهِ بَاطِل، ومَا ذَلِك إلاَّ لصَرْف
القَارِئ عَنْ التَّحْقِيق في صِحَّة الحَدِيث والرّوَايَة، حتى وَصَلَ
الأمْر بكَثِير مِنْهُم إلى صِيَاغَة أدْعِيَة مِنْ عِنْد أنْفُسهم
ونَسْبها إلى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم،
ثُمَّ يُحَدِّدون عَدَد مُعَيَّن لقِرَاءَة هذا الدُّعَاء أو عَدَد
مُعَيَّن لنَشْره، ويَخْتَلِقون قِصَص مَا أنْزَلَ الله بِهَا مِنْ
سُلْطَان عَلَى أنَّ مَنْ يَفْعَل سَيُجْزَى بجَزَاء كَبِير، وأنَّ مَنْ
لا يَفْعَل سيُبْتَلَى بضَرَر عَظِيم، وهذا يُشَابِه بِدَع الصُّوفِيَّة
في العَقِيدَة إنْ لَمْ يَكُن أصْله مِنْ عِنْدهم.
3. مَا نَرَاه ونَسْمَعه عَلَى ألْسِنَة بَعْض
الدُّعَاة وأئِمَّة المَسَاجِد والمُتَكَلِّمِين في الدِّين بغَيْر عِلْم
وتَحْقِيق مِنْ الاسْتِشْهَاد بالأحَادِيث الضَّعِيفَة والمَوْضُوعَة
والإسْرَائِيلِيَّات مِنْ أجْل تَرْقِيق قُلُوب النَّاس واجْتِذَابهم،
وكَأنَّ الدِّين قَدْ خَلا مِنْ كُلّ صَحِيح يَصْلُح لتَأكِيد المَعْنَى
الَّذِي يُرِيدُونه حتى يَلْجَئوا إلى الضَّعِيف والمَوْضُوع، ولا نَعْرِف
هَلْ هُوَ جَهْلاً مِنْهُم وعَدَم إتْقَان في تَحَرِّي صِحَّة مَا
يَقُولُون؛ أمْ أنَّه عَمْد لتَحْقِيق هَدَفٍ مَا، والأفْظَع مِنْ ذَلِك
أنَّهُم رَوَّجُوا لسِلْعَتهم هذه بنَاءً عَلَى ظَاهِر لَفْظ قَالَ بِهِ
بَعْض العُلَمَاء وهُوَ n]الأحَادِيث الضَّعِيفَة يُؤْخَذ بِهَا في فَضَائِل الأعْمَال ]، والسُّؤَال: هَلْ عَجَزَت أحَادِيث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم الصَّحِيحَة
عَنْ بَيَان فَضَائِل الأعْمَال والإرْشَاد إلَيْهَا حتى نَلْجَأ إلى
الأحَادِيث الضَّعِيفَة والمَوْضُوعَة فنَسْتَقِي مِنْهَا فَضَائِل
الأعْمَال؟ وإذا كَانَت الأحَادِيث الضَّعِيفَة والمَكْذُوبَة يُؤْخَذ
بِهَا في فَضَائِل الأعْمَال، فَهَلْ مَعْنَى ذَلِك أنَّ الأحَادِيث
الصَّحِيحَة يُؤْخَذ بِهَا في خَبَائِث الأعْمَال أمْ مَاذَا؟ ومَا مَعْنَى
فَضَائِل الأعْمَال أصْلاً؟ هَلْ هي صِلَة الرَّحِم، الصَّدَقَة،
التَّقْوَى، حُسْن الخُلُق، بِرّ الوَالِدَيْن، أمْ أنَّهَا أُمُورٌ
أُخْرَى لَمْ تَتَحَدَّث عَنْهَا الأحَادِيث الصَّحِيحَة؟ وحتى إنْ كَانَ
الحَدِيث الضَّعِيف لَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث آخَر صَحِيح، فَإمَّا أنْ
يَرْتَقِي الحَدِيث الضَّعِيف بهذا الشَّاهِد الصَّحِيح لدَرَجَة الحَسَن
ولا يُعَدّ ضَعِيفَاً، وإمَّا أنْ يُسْتَشْهَد بالشَّاهِد نَفْسه وهُوَ
الحَدِيث الصَّحِيح ولا دَاعِ وَقْتَئِذٍ للضَّعِيف، وإمَّا أنْ يَكُون
ضَعِيفَاً ولَيْسَ لَهُ شَوَاهِد يُتَقَوَّى بِهَا فَلا يُؤْخَذ بِهِ ولا
يُنْسَب لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم،
وكُلّ هذا في الحَدِيث الضَّعِيف، حَتَّى العُلَمَاء الَّذِينَ أبَاحُوا
اسْتِخْدَامه وَضَعُوا لَهُ شُرُوطَاً وضَوَابِط، ولَمْ يَقُولُوا نَفْس
القَوْل في الحَدِيث المَوْضُوع، فَأيْنَ هَؤُلاء المُقَلِّدِين عَنْ جَهْل
مِنْ قَوْله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم n]إنَّهُ
لَمْ يَكُن نَبِيّ قَبْلِي إلاَّ كَانَ حَقَّاً عَلَيْه أنْ يَدُلّ
أُمَّتهُ عَلَى مَا يَعْلَمهُ خَيْرَاً لَهُم، ويُنْذِرهُم مَا يَعْلَمهُ
شَرَّاً لَهُم، وإنَّ أُمَّتكُم هذه جُعِلَ عَافِيَتهَا في أوَّلهَا،
وسَيُصِيب آخِرهَا بَلاء شَدِيد، وأُمُور تُنْكِرُونَهَا، وتَجِيءُ فِتَن،
فيرقق بَعْضهَا بَعْضَا، وتَجِيء الفِتْنَة فَيَقُول المُؤْمِن: هذه
مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِف، وتَجِيء الفِتْنَة فَيَقُول المُؤْمِن: هذه
هذه، فَمَنْ أحَبَّ مِنْكُم أنْ يُزَحْزَح عَنْ النَّار ويَدْخُل الجَنَّة
فَلتَأتِهِ مَنِيَّته وهُوَ يُؤْمِن بالله واليَوْم الآخِر، وليَأتِ إلى
النَّاس الَّذِي يُحِبّ أنْ يُؤْتَى إلَيْه، ومَنْ بَايَعَ إمَامَاً
فأعْطَاهُ صَفْقَة يَده وثَمَرَة قَلْبه، فَليُطِعْهُ مَا اسْتَطَاع، فإنْ
جَاءَ آخَر يُنَازِعه فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَر ]، وقَوْله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم n]إنَّه
لَيْسَ شَيْء يُقَرِّبكُم إلى الجَنَّة إلاَّ قَدْ أمَرْتكُم بِِهِ،
ولَيْسَ شَيْء يُقَرِّبكُم إلى النَّار إلاَّ قد نَهَيْتكُم عَنْه, إنَّ
روح القُدُس نَفَثَ في رَوْعي إنَّ نَفْسَاً لا تَمُوت حتى تَسْتَكْمِل
رِزْقها، فاتَّقوا الله وأجْمِلوا في الطَّلَب, ولا يَحْمِلَنَّكُم
اسْتِبْطَاء الرِّزْق أنْ تَطْلُبُوه بمَعَاصِي الله, فإنَّ الله لا
يُدْرَك ما عِنْدَه إلاَّ بطَاعَته ].
يتبع .......